الأربعاء، 3 يوليو 2013

قصة ناديه



قلوب لا تعرف الفرح
وفارق عيونها بريق الأمل
وخاصمتها الإبتسامه.....ورسم العذاب خطوطه
مرت على عيادتي ....وسكنت في قلبي....وحط الألم رحاله في ذاكرتي
ساكتب بعض من ملامح حياتهم ....نتعلم من تجاربهم.....ونزداد وعيا بهموم غيرنا ونكون أكثر إنسانية وأكثر قدرة على التواصل والتعاطف مع الآخرين

  قصة ناديه                                                                   

أول ماشاهدتها صباح ذاك اليوم في المستشفى وهي جالسة على السرير بقربها والدتهاطفله بريئة الملامح تظن بالنظر لوجهها أنها لم تتجاوز العشرة أعوام رغم طولها وجسدها الممتلئ....فوجئت لما علمت أنها في الخامسة عشر من وجهها جامد خاليا من التعابير وعيونها مليئه بحزن عميق....لم ترد على تحية الصباح كأنني غير موجود أو كأنها في عالم آخر1

لم ترد على تساؤلاتي لم أشعر إنها تتجاهل الحديث معي عمدا بقدر ما إنها غارقة في عالم آخر ليس لها علاقة بالواقع......بدأت الأم تحكي عن أعراض صغيرتها من الإنعزال عدم الكلام نهائيا البكاء المستمر....عدم النوم...عدم الأكل...عدم الرغبه في عمل أي شئ سوى الرقاد على السرير وتساقط الدموع بدون صوت......في الأسابيع الأخيره تقفت الدموع ولكن معه توقفت معها من الأكل والشراب نهائيا هذا ماقادهم للحضور بها للمستشفى

ذكرت الوالده بأنهم يعيشون في منزل صغير الوالد ذو دخل محدود به عدد من الأبناء والبنات ونادية هي صغيرة المنزل وآخر العنقود يعيشون الكفاف يتساعدون بدعم من الأبن الأكبر الذي يعيش بعيدا عنهم .......ناديه لم تذهب للدراسه في ذلك العام نسبه لحالتها الصحيه...زالأسره :أي أسره بها إختلافات وضغوط ولكن الأم لا ترى فيها شيئا شاذا أو غريبا قد يكون له دورا في حالة ناديه
في الاسبوع الأول لم نرى أي تحسن في حالة ناديه.....لم نسمع منها حرفا رغم محاولاتنا المتكرره اليوميه...ولم نكن نجد منها سوى الصمت والدموع أحيانا..........لاحظت في خلال ذلك الأسبوع إن الأم كانت دوما متواجده وحريصه على مرافقة ناديه في أي جلسة تحليل وعلاج .....ولم يكن سلوكا غريبا ولا نرفضه خاصة مع الأطفال حيث وجود الأم كثيرا ما يساعد في تعزيز الشعور بالأمان ويساهم في نجاح الجلسات
ما أثار قلقي أن الأم كنت تجتهد في الإجابة بالنيابة عن ناديه ولا تسعى لدفعها الإجابه بنفسها......عاملا آخر أثار قلقي قلة الزوار خاصة من جانب الأسره فلم نشاهد الأب وبقية الإخوه والأخوات بل أخ واحد يداوم بالزياره....ولا أثر لأهل أصدقاء أو جيران.........عادة نتفهم إخفاء الأسر لوجود أعزائهم في المستشفى النفسي ولكن ليس إلى هذه الدرجه
رتبت اليوم داك مقابله مع ناديه لوحدها جلست معها لمدة ثلاث ساعات....الساعة الأولى كلها كانت صمت ودموع وردود مقتضبه من شاكلة ......مافي شئ بيتعمل ......أنا أنتهيت...... أنا ما عندي مستقبل ....ما عندي زول في الدنيا.....ما في معنى من الكلام
 بدأت الحكي ورحلة الألم....تدرس في تانيه عام في مدرسه في نفس الحي الساكنين فيهو ....مشوار المشي والرجوع من المدرسه كان أمتع شئ في خلال اليوم ..حوالي 10 دقايق.بتمشيه هي وبنات جيرانها التلات في نص ساعه..كميه من الضحك والنكت والتعليقات متزودين بي كميه من التسالي والنبق
في يوم وقفهم شاب قال ليهم( لو تسمحوا) لابس هدوم الثانوي العالي ما بتعرفه كويس لكن ساكن معاهم في نفس الحي بيقابلوه في كل يوم جاي و ماش المدرسه في نفس مواعيدهم ...ما حصل بيناتهم كلام قبل كده(ناس سنه أولى طلعوا)(عشان أختي بتقرأ معاكم)......ردوا رد سريع وهم ماشين......
بقى كل ما يصادفهم بيبتسم ليهم ويسلم عليهم....بعد كم إسبوع لمن قابلوه وقفهم وقال ليهم جبت ليكم معاي كتب ألغاز شايفكم بتقروها......شلنا الكتب ورجعناها وإستمر يجيب لينا الكتب والمجلات وبقينا لمن نلا قيهو نتكلم معاه عادي......لمن يوم أداني مجله ولقيت فيها جواب كله كلام حب وقلوب مرسومه وبيقول فيهو أنه بيحبني....
كنت سعيده شديده فرحت بي إنه ....ده الحب.....كلمت صاحباتي وبقى ده سرنا الكبير.....وموضوعنا الأساسي في المدرسه وفي سكة المدرسه....بقى عادي لمن نلاقيهو يمشي معانا نتونس ونحكي وقريب من شارع بيوتنا بيفارقنا.........
إتبادلنا الكتب والمجلات والهدايا الصغيره أقلام وسلسة مفاتيحالجوابات كتبنا لي بعض كلمات من الأغاني وكنا سعيدين بي شكل علاقتنا ...ما حصل تقابلنا لوحدنا وكلها في سكة المدرسه وصاحباتي معانا .....عايشين معاي كل البرنامج بيقروا معاي الجوابات وبيساعدوني نكتب الردود وإستمرينا على الحاله دي حوالي تلاته شهور
ما عارف كيف أخوي الأكبر مني بي 4 سنوات (كمل الثانوي وكان بفتش ليهو شغل)......عرف بحكاية علاقتي....كل البعرفه اليوم داك رجعت البيت لقيت ه واقف مع أمي منظريني وبدون مقدمات ضربني كف لغاية ما وقعت في الأرض وبدأ يضرب فيني وانا على الارض ويشتمني بي كلمات كعبه أمي كانت واقفه وتردد في كلمه واحد(دايره تفضحينا..ياقليلة الأدب)

رغم الألم ودموعي لكن الغضب كان أكبر وهو بيضرب فيني كنت متأكده من إني ما عملت شئ غلط وما كنت ندمانه على شئ بل بالعكس في جواي كنت مصره إني ما حأوقف علاقتي مع ياسر مهما عملوا لي
وبالفعل بعد كم يوم لاقانا ياسر في الشارع ومشى معانا في سكة البيت ولمن حكيت ليهو الحصل أصر إنه نوقف علاقتنا....لكن أنا كنت مصره بالإستمراريه يمكن جواي إحساس إنه لو وقفت زي البوافق ناس بيتنا إني كنت بعمل حاجه غلط وإني بستحق الضرب وإنني بقيت زوله كويسه بعد ما ضربوني.....وقد كان رضخ ياسر لي كلامي.....وإستمر يقابلنا في الشارع بعد المدرسه ...ويتمشى معانا
إستمرينا كم أسبوع وحصل المتوقع أخوي عرف إني ما توقفت.....بعد الضرب...أمي أصرت إنه أبوي يعرف..وبعد ضرب أخوي جأ دور أبوي ..اليوم داك ما بتصور إنه في زول في الدنيا ضربوه وجلدوه كمية الضرب داك أنا كم يوم ما بقدر أقعد من الألم والجروح

والغريبه ما عارفه أنا لقيت القوه وين .....جواي العناد زاد وكميةالألم خلتني مصره مأ توقف من علاقتي بي ياسر.....بقيت علاقتي مع ناس البيت محدوده وهم من جانبهم نظرتهم لي كانت في كميه من الاحتقار والتعامل معاي في حدود ودايما مصحوب بنظره ما كويسه
كل العنف والضرب والتعامل خلاني أكثر عناد وأكثر تمسكا بي ياسر ,استمرت مشاويرنا بين المدرسه والبيت كما كنا ومعانا صاحباتي
في المره التالته للحظ العاثر صادفهم أخوها الكبير الذي كان متواجدا في إجازه وكان له مكانه ورأيه موضع إحترام............في البيت بعد أن أخذت نصيبها من الضرب......قرر أخوها إنها خلاص تمنع من المدرسه وتقعد في البيت إلي أن يجئ ود الحلال (دي ما لاقين منها غير الفضايح) (مع راسها الناشف ده ما معروف بكره تعمل ياتو مصيبه...ما حل غير إن....تاني باب البيت ده ما تفوتوا ومدرسه ماافي)
حرمت من المدرسه...الصديقات...الطلوع...وطبعا ياسر.....إستمر الحل لأكثرمن شهر عذاب السجن والمراقبه اللصيقه والشك من كل تصرفاتي حتى صاحباتي وقفن من الحضور لزيارتي لتواجد أمي وأخواني معنا دايما في مراقبه لأي كلمه أوحركه
مع كل هذا العذاب واليوم الطويل والحصار والمراقبه بدأت أشعر بتكاثر الهمسات وبدأت تنتابني الشكوك في ماذا يخططون لي خاصة كانوا يصمتون عند حضوري ...وعرفت من شقيقتي الصغيره ....إنهم يبحثون لي عن عريس
صبح لواقع غير محتمل والمستقبل يبشر بمصيبه لذا لم أفكر كثيرا ولم أتردد في التخطيط للحل الوحيد المتاح وهو.... الهروب....الهروب من هذا الجحيم ومن العذاب الآتي
بدأت تفكر في الهروب...الهدف كان الوصول لي عطبره لي حبوبتها.....الزوله الوحيد المازالت بتثق فيها والما عندها شك هي لسع بتحبها وممكن تساعدها وتقيف معاها قصاد ناس البيت كلهم
 في يوم لقت الفرصه أمها مشغوله وقدرت ....تهرب....قطعت تذكره في بص وركبت....كان هناك أمر لازم تسجيل أسماء المسافرين قبل السفر.....بتاع البوليس شك فيها وبدأ يستجوبها عن إسمها وأهلها وليه بنت عمرها 14 سنه مسافره براها وكانت ما مستعده للتحقيق ده
في النهايه إعترفت ليهم بأنها شارده وماشه لي حبوبتها وتصورت إنهم حيتعاطفوا معاها.....لكن نزلوها من البص وركب معاها بتاع البوليس لغاية ما رجعها البيت وسلمها لي أهلها....وسلمها لي مسلسل جديد من الضرب والشتم والعذاب
مسلسل الضرب توقف بعد يومين وإستمر الحصار الرقابه والمنع من الخروج من البيت نهائيا وبدأت نختمر فكرة الهروب مرة ثانبه وأصبحت تتحين الفرص ولكن أصبح الجميع يتابعون تحركاته خاصة إذا إقتربت من باب الشارع لذا لم يكن أمامها سوى التفكير في الهروب ليلا والجميع نيام وذلك بالقفز من السور
وفعلا توفرت الفرصه المناسبه ....والجميع نيام قفزت من السور وبدأت في السير نحو شارع الظلط ولكن حظها العاثر لم يفارقها وهي قريبة من الشارع تصادفها دورية السواري ليأخذوها للقسم وبدأ التحقيق معها ولم تجد معنى للأنكار وأعترفت لهم برغبتها الهروب لعطبره لبيت حبوبتها
عندا حضر ابوها لقسم الشرطه كان شعلة من الغضب وعيونه مليئه بالانفعال ورغم فرحها بظهوره فقد كانت مرتعبه من وجودها في قسم الشرطه في ذلك الوقت من الليل....حاولت ان تمسك يده وتستسمحه لتخرج باسرع وقت من ذاك المكان
توقعت صفعة على وجهها ولكن لم تتوقع رد فعل أبيها ويصوت بارد قاسي شعرت أنه مشبع بي الكراهيه مجرد من ذره من مشاعر الأبوه(فضحتينا....ما عافي منك دنيا ولا آخره.....مادام ما قدرنا نأدبك خلي الحكومه تأدبك.....خليهم يحبسوك معاهم كم يوم...عسان تعرفي معنى الأدب وقيمة البيت الانت ما أحترمتيه)
لم أصدق نفسي وأنى أرى أبي يتحدث للعساكر ورأيته يغادر القسم وأقاد أنا لداخل الحراسات.....لم أدري كم يوما سأبقى محبوسه وعلمت مؤخرا أن العساكر إتفقوا أن يحبسوني يومي الخمس والجمعه ويطلق سراحي قبل صباح السبت وحضور الضابط المسئول
مهما وصفت فلن أستطيع وصف كمية الرعب والخوف وأأنا أقاد لداخل الحراسات شكلها رائحتها و مجموعة النساء المفترشات الارض..........نعم كانت ليلة الخميس ونهار الجمعه ولكنها كانت مدة كافيه......لأمر بأقسى تجربه في حياتي....تجربه سلبتي كل شئ ...ولم تترك لي شيئا......فقد تم إغتصابي من أحد العساكر بينما كان زميله في الحراسه يضاجع أحد المحبوسات ....وأختلطت دموعي وصراخي مع ضحك رفيقتي الأخري مع رفيقها.......وفحاولت قاومت وقاومت .....وأخيرا خانتني قوااي وتم إغتصابي
 مع صلاة الفجر وقبل بداية العمل حضر والدي كما إتفقوا وأطلق سراحي.....وسرت مع أبي بقايا إنسان لم تفقد عذريتها فقط بل فقدت كبريائها كرامتها حبها للحياه فقدت كل شئ ................أصبحت مسخا بلا روح ولا رغبه ليس لها أمنيه سوى الموت
عندما اإستقبلها أخيها في البيت بالضرب وصاحبته سيل الشتائم من والدتها لم تذرف ولا دمعه لم تشعر بالألم سقطت دموعها بعد ساعة وهي ملقية على الأرض إنفجرت بالدموع عندما شعرت بأصابع أختها الصغيره تلمس شعرها ونحمل لها كوب ماء وتقول ليها (عشاني أشربي حبة مويه)
شربت من الماء .......لا أستطيع أن أرد لها طلب وكأنها في عقلها الصغير تعلم أن هناك شيئا ما سلبني ليس الرغبة في الاكل والشرب بل سلبني الرغبة في الحياه....فكانت لا تأكل الا إذا أكلت معها ولا تشرب إلا إذا ناديه شربت معها كانت تعذبني بحروفها البريئه وهي تحاصرني (إنتي زعلاته مني....ليه بقيتي ما بتضحكي معاي)
 ماتت الرغبه في الحياه نسيت ياسر ......ماتت الرغبه في الهروب أصلي يوميا لربي ليأخذ روحي.....
إلي أن كان ذلك الصباح عندما شعرت بالرغبه في الاستفراغ وبدأت أراقب نفسي....كل الأعراض التي شاهدتها معي أمي قبل ذلك وحينها أصبح لا شك لدي في أن مصيبتي لم تقف عند حد الإغتصاب
(فأنا حامل يادكتور مجدي)
 لا أحد سواك يعلم بهذه المصيبه و بهذا القدر.......ولا أطن أن هناك لا سوى أ اقتل نفسي
لا تتصور أنني أخاف من كلام الناس أو أني أخاف من عقاب أهلي.....والله لوضبحوني الليله حأكون سعيده لكن لا يمكن أجيب لي طفل للدنيا عشان يعيش عمره كله معذب لأنه ود حرام
ما ممكن أعيش وأشوف طفلي محطم وبيتعذب في كل يوم بدون أب وبدون أهل بدون مستقبل مصيره يعيش في الشوارع والسجون ملاحق بي العار لبقية حياته
كانت الخطوه الأولى هي مناقشة أستاذي والإستشاري في وحدتنا عن ...ماذا نفعل...جلسنا لجلسات طويله لوحدنا ومع ناديه..كانت أهم شئ المحافظه على سرها وحجبه حتى من بقية الفريق الطبي من ممرضات وإستشارين إجتماعيين وأن نكون نحن الإثنين فقط من يحمل هذا السر معها
وصلنا لقرار إن الحل هو أن نحولها لعملية إجهاض....كانت القضيه الأوليه هي مناقشة القرار وأبعاده الأخلاقيه والمهنيه....بعد أن تفحصنا جوانب القرار زادت قناعتنا أنه القرار الوحيد الصائب في تلك الظروف...ثم بعدها نبدأ علاج أسري مع الأسره لنعيد لي ناديه حياتها لطبيعتها ما أمكن ذلك
 ذهبت لمستشفى الدايات وإجتمعنا مع أحد الاستشاريين....وافق علي فكرة العمليه طبيعتها وبعدها المهني و الأخلاقي....... وطمننا على سهولة العمليه لصغر الحمل ورتب لها أن يتم تحضيرها لعمليه كحت بعد 3 أيام
شرحنا ما قمنا به لناديه.....في ذلك اليوم وأتمنى لو إنني لم أكن واهما شاهدت لأول مره بريقا من الأمل وبعض الحياه تدب في عروقها ...حيث بدأت تسأل عن العمليه وكيفية إخفائها وبدأن يظهر عليها إهتماما بالتفاصيل...إهتماما ولو بسيطا بالحياه
لم يكن من الصعب أن يتم التستر على العمليه ....فقد كنا نرسل بعض مرضانا لإجراء بعض الفحوصات وصور الأشعه في مستشفى الدايات خاصة إذا كانت مستشفى أمدرمان مزدحمه أو متعطله......فكتبنا فورم الفحوصات حجزنا الإسعاف وشرحنا للأم والممرضات مواعيد الفحوصات....لم تقابلنا مشكله في تقبلهم خاصة مع تدهور صحة ناديه مع رفضها للأكل
ذهاب ناديه حيث كان مرتبا لها أن يأخذها الإسعاف في حوالي الساعه السابعه صباحا
قبل أن أدخل العنبر قابلتني رئيسة العنبر وهي مضطربه (الحمدلله يادكتور مجدي إنت هنا البنت شردت)

واصلت رئيسة العنبر(الصباح بدري مشينا نصحي ناديه ونذكرها بالفحوصات....لقينا الأصوات مرتفعه والشكله ناديه قاعده في نص السرير و أمها تبكورك وتسكلب....الظاهر إنه الأم شكت في إنه ناديه حامل وواجهتها بي الكلام ده)( سقنا ناديه خليناها تخش الحمام وجبنا الأم في المكتب وهدأناها شويه وقلينا تهدأ لغاية إنت تجئ ونعمل فحوصات وممكن نتأكد البنت حامل ولا لا)
واصلت رئيسة العنبر(الصباح بدري مشينا نصحي ناديه ونذكرها بالفحوصات....لقينا الأصوات مرتفعه والشكله ناديه قاعده في نص السرير و أمها تبكورك وتسكلب....الظاهر إنه الأم شكت في إنه ناديه حامل وواجهتها بي الكلام ده)( سقنا ناديه خليناها تخش الحمام 
وجبنا الأم في المكتب وهدأناها شويه وقلينا تهدأ لغاية إنت تجئ ونعمل فحوصات وممكن نتأكد البنت حامل ولا لا)

لمن رجعنا العنبر لقينا البت شردت.....حتى هدومها ما شالتهم معاها.....محل ما إختفت ما عارفين زي الواطه بلعتها ....الغفير قال مال ما طلعت من الباب......أكبر إحتمال نطت الحيطه الغربيه بتاعت المستشفى فيها كسره والطلوع بيها ساهل)
(
بعد هروب ناديه الأم شالت هدومها وطلعت ...رفضت تنتظر لمقابلة الدكاتره....رفضت تبليغ البوليس وكل كلامها كان ( دي بتنا وبنفتشها برانا وبنعرفها بتكون مشت وين...وبنرجعها بي طريقتنا....وما دايرين فضايح أكتر من كده)
مر أكثر من عام ولم أسمع أي شئ عن ناديه كل يوم كنت أحضر للمستشفى وفي بالي أمل...... أن تدخل للعياده بحسدها النحيل وعيونها الحزينه.......وتقل لي أنا بخير...أنا عايشه........بعد ذلك أصبحت أقنع نفسي إنها بخير ورجعت لأهلها ...ولكن دواخلي لم تكن تقبل هذا التطمين الساذج


بعد أكثر من عامين كنت ذات يوم جالس في منزل أحد أصدقائنا ودخلت علينا خالته وسلمت علينا وجلست وأذكر إني قلت ليها (فرصه سعيده الواحد يلاقيك يامولانا سمعت عنك كتير طبعا غير خالة صديقنا.....قاضي معروف في أمدرمان بي النزاهه والحزم...زبيخافوها ناس البوليس قبل المجرمين لأنه ما بتحب المساخر والخرمجه)
إبتسمت وقالت لي أنا والله برضه سمعت عنك......الحقيقه قبل كم شهر أنا كنت بفتش ليك بي شده لي درجة رسلت ليك بوليس للمستشفى 3 مرات عشان تجئ تقابلني
وواصلت تحكي(قبل كم شهر جابوا لي في المحكمه مجموعه من الداعرات في كشه.....معظمهم محترفات ومترددات على المحكمه فما كان عندي مشكله أحاكمهم)
في وسطهم كانت هناك بنت واضح إنها ما بتشبههم ولا بتشبه طبيعة المهنه المنغمسه فيها...حتى ملبسها أسلوبها كلامها عيونها ما فيها الجراءه وعدم المبالاه المرتبطه بي العاهرات......قمت فصلت قضيتها من البقيه وعملت ليها جلسه منفصله)
 (حكت لي قصتها....قالت لي إسمها الحقيقي ناديه....مشهوره وسطهم بي بت الريده ما في زول عارف حكايتها وتاريخها....إحتضنتها الخاله لمن لقتها بي الصدفه شارده من المستشفى ومن أهلها.......ساعدتها عملت ليها عملية إجهاض وبعدها دخلتها لي عالم الدعاره....عشان تكسب رزقها وعيشتها)
(إستمرت عامين في كل لحظه بتصلي لي ربنا يشيل روحها بقت تكره روحها بتتمنى بس لو تشوف أختها الصغيره قبل ما تموت...وقالت مافي شئ عنده طعم...وما في شئ بيستحق يعيشوا ليهو)
 (تكلمت معاها كتير عن تبدأ حياتها من جديد والله غفور رحيم.........بكت وقالت يامولانا ماتتصوري إهتمامك بي ده براه جواي معناه شنو...لي زمن من آخر مره زول إهنم بي وبي حياتي......أها لو عاوز أبدأ حياتي أهلي ما بيقبلوني ...ما عندي زول حيقبلني......ما في زول بيهتم بي...ما عندي وظيفه ....وما كملت تعليمي....شكلي إتكتب علي استمر في الشغلانه التافهه دي)
( ما حكمت عليها رجعتها للحبس ....وأديتها فرصه تفكر في أي زول ممكن نتصل بيهو عشان يساعدها وانا كنت مستعده أحكم عليها بي تعهد تحت رعاية الزول البتحدده)
 (جاتني في الجلسه التانيه,,,,وقالت ليي في دكتور في التيجاني الماحي إسمه مجدي قبل كده وعدني يوفر لي فرصه دراسه أكمل الثانوي العام وبعدها ممكن أقدم أشتغل ممرضه,,,,,ومستعده أوقف الشئ البعمل فيهو ده من الليله دي)
( رجعتها للحبس وأجلت النطق بالحكم......ورسلت ليك كم بوليس للمستشفى لحضورك للمحكمه....وللأسف عرفت إنك في إجازه قد تطول.....حاولت بي نفسي ألقى حلول ما لقيت)
( ما كنت عندي حل غير أفصل في القضيه وحكمت عليها سنه حسن سير وسلوك وأطلقنا صراحها وكانت الخاله منتظراها في المحكمه وطلعت معاها)


 (بعد عدة أشهر قابلني أحد الزملاء من القضاه وأخبرني بانه قد حكم على داعره إسمها بت الريد(ناديه)قبضت في كشه وطلبت منه تحويل قضيتها لي شخصي(مولانا ساميه) لم أوافق على طلبها حيث لم يكن هناك سببا كافيا وخاصة إنها قد كسرت حكم حسن السير والسلوك ولم تلتزم به وحكمت عليها بي سته شهور سجن
)
(وعلمت في تلك اللحظه بأن آخر أمل لي ناديه قد إنزوى فقد تم تأهيليها كمومس محترف صاحبة سوابق ومرتادة سجون........تستلبها دروب الحياة المتعرجه في بحثها البرئ عن السعاده



وياله من طريق ......بدأ بمغامرة طفولية بريئه ليصل إلي نهايات سحيقة وحياة محطمه.......من طفلة ذو ضفيرة واحده تضحك مع صويحباتها تسعد بقراءة كتب الأطفال........إلي محترفة تبيع جسدها لكل من يطرق الباب
لذا في دواخلي ....ناديه ليست قصه.......بل جرحا دائما ........وألما لا ينسى ..... يعشعش في المسام متحسرا على لك العيون الطفوليه الوديعه ......مأساة إنسان وحيد أرى فيه كيف أستلبت البراءه لتخلق إنسانا مشوها لا يعرف معنى ولا قيمة الحياه.......فارقته الإبتسامه وفارقها حتى المقدره على البكاء.....لقد حطمناها ودمها موزع على رقابنا وعلى مفاهيمنا  تقاليدنا  التي  يصل تقديسها في بعض الاحيان لجمودا متحجرا فيخلق قلوبا التي لا تعرف الرحمه ولا تعرف الحب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق